أوضح عبيد أبو شحادة أنّ خطاب بنيامين نتنياهو الأخير في مؤتمر اقتصادي بالقدس، تزامناً مع انعقاد قمة عربية إسلامية طارئة في الدوحة، كشف بوضوح أنّ إسرائيل تتجه نحو حرب دائمة. فقد أعلن رئيس الوزراء أنّ بلاده ستتحول إلى "أسبرطة العظمى"، متعهداً بالاستمرار في العمليات العسكرية في غزة وبتنفيذ مخطط التطهير العرقي بدعم أمريكي، بصرف النظر عن التكلفة الدبلوماسية أو الاقتصادية. وفي الليلة نفسها، أطلق الجيش الإسرائيلي هجومه البري على مدينة غزة بعد موجات قصف عنيف.
ويشير ميدل إيست آي إلى أنّ نتنياهو تحدّث هذه المرة بصراحة نادرة، فأقرّ بعزلة متنامية لإسرائيل في الغرب الأوروبي في مجالات الثقافة والرياضة والأكاديميا، وفسّر ذلك بتأثير المهاجرين العرب والمسلمين على السياسات الأوروبية. بذلك، كرّر خطاب اليمين الشعبوي الأوروبي المعادي للمهاجرين، متجاهلاً البعد الحقيقي لحملات التضامن الدولية الساعية لوقف الإبادة في غزة. كما هاجم قطر والصين متهماً إياهما بنشر "دعاية"، واعتبر تقارير الأمم المتحدة حول الجرائم الإسرائيلية مجرّد أكاذيب.
أكثر ما يثير القلق في خطابه قوله إنّ إسرائيل ستبني صناعة عسكرية ضخمة لتصبح مكتفية ذاتياً، متخلية عن اقتصاد السوق الحر لمصلحة اقتصاد مغلق يخدم الحرب، مع وعود بخفض البيروقراطية والإنفاق العام. الرسالة وُجّهت إلى الخارج، لكن أيضاً إلى الداخل الإسرائيلي: على المجتمع أن يقبل عزلة الدولة وتحوّلها إلى "دولة حروب" بلا قيود على صلاحيات رئيس الوزراء.
الخطاب جاء بعد تقرير لجنة تحقيق رسمية في "قضية الغواصات"، التي كشفت أنّ نتنياهو أخفى عن المؤسسة الأمنية صفقة بيع غواصات ألمانية لمصر، ما عُدّ واحدة من أخطر الفضائح الأمنية. ويرى المقال أنّ نتنياهو يستغل الحرب للحفاظ على موقعه رغم الملاحقات القضائية، جامعاً لنفسه مزيداً من السلطة مع تقليص الرقابة.
في الوقت ذاته، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المكثف لغزة، متقدماً نحو احتلال شامل ودافعاً بمليوني فلسطيني إلى مساحات ضيقة غير صالحة للحياة. الهجوم على قادة حماس في الدوحة لم يكن مجرد استهداف لأشخاص بل محاولة لضرب مبدأ التفاوض ذاته. وبهذه الخطوة غير المسبوقة، كسرت إسرائيل عرفاً سياسياً دولياً طالما احترمته القوى الكبرى، حتى في حروب أفغانستان وأوكرانيا.
خطاب "أسبرطة العظمى" لم يأتِ من فراغ؛ بل تأسس على إدراك نتنياهو أنّ غياب الخطوط الحمراء العربية والدعم الأمريكي المطلق يتيحان له حرية التصرف. المفارقة أنّ النقاش الإسرائيلي الداخلي بعد هجوم الدوحة انشغل بمدى نجاح محاولة الاغتيال، متجاهلاً جنون قرار قصف دولة مضيفة للمفاوضين.
الأخطر أنّ نتنياهو يدرك أنّ غالبية الإسرائيليين تقبل هذا المسار، رغم تفاقم الأزمات الاجتماعية والنفسية، خاصة في صفوف الجنود، ورغم تنامي حالات رفض الخدمة في غزة. ومع ذلك، تبقى دعاية "إسرائيل الكبرى" تحوّل الحلم القومي إلى كابوس إقليمي يهدد العرب جميعاً.
القمة في الدوحة أظهرت قلقاً عربياً حقيقياً، خصوصاً في الخليج، من احتمال أن تفرض إسرائيل واقعاً جديداً يقوم على تهجير الفلسطينيين قسراً وقبول دول الجوار بهم، بالتزامن مع ضم الضفة وغزة. وحتى الضغوط الأوروبية عبر مقاطعات أو تجميد علاقات لم تنجح في ثني إسرائيل عن مشروعها.
الكاتب يخلص إلى أنّ إسرائيل ذاهبة بكل قوتها في هذا المسار، فيما يواصل نتنياهو رهانه المتعجرف على فرض رؤيته، ما يضع العرب أمام خيار حاسم: إمّا اتخاذ خطوات حقيقية لكبحه، أو مواجهة كلفة باهظة يدفعها الجميع، بعدما أثبتت الأحداث أنّ إسرائيل لم تعد تهديداً للفلسطينيين وحدهم، بل لكل دولة عربية ترفض الخضوع لمصالحها.
https://www.middleeasteye.net/opinion/super-sparta-netanyahus-megalomania-hits-fever-pitch-will-arab-states-act